09‏/04‏/2013

محاولة أولى لكتابة شعر


في القلب حاجاتٌ إليكِ
والروح تحكمها يداك
فمتى تفرجين عن روحي
تمسي عبدًا لديك ...

والعقل قلّ ما يشكي
وإن شكى فما يبكي
ولكن ما ذنب قلبٍ
ينشج لمرأى عينيك ...

لا تكوني كمن سبقوا !!
تزرعين في القلب سمَّا ,
وتمضين دون أن تدري
أنّك أصبحت أمًّا

وإن كنت كمن سبقوا
فلن أكون وطنًا
يقبل عودة مغتربٍ
إن قام بتركه يومًا

ولاتعتمدي على السمّ
فالسمّ يغشّ أحيانًا
وماذا لو كان الدم
قد ذاق مثله ألوانًأ

ولا تثقي بقلبي
فلن يعود كما مضى
يخضع أسيرُا لحبّك
ويظهر لك الرضى

فالقلب إذا ما طُعن
طال جرحه ليشفى
وإن كان طاعنه قريبًا
كان العدوّ له أشفى ...
   __________________________________________________

مجرّد محاولة لكتابة شعر بطريقة مختلفة
كما من المفترض أن  يكون لها تكملة  (:

20‏/10‏/2012

الرجل الّذي قتل الموت


    لست أذكر أنّ اللّه قد سألني أن أكون موجوداً , ولا أعتقد أنّي قد شاركته في تحديد تكويني  وخلقي وعائلتي ومحيطي وعالمي ...
    

    لو أنّ اللّه قد طلب منّي أن أحدّد ما أكون لربّما اخترت أن أكون إلهاً , ولكنّ  الله لن يقبل أن يوجد إله غيره ينازعه  في الحكم . إذاً لاخترت أن أكون ملاكاً , فهو الاقرب إلى اللّه من بعده , لكنّي أخاف الطيران .. إذاً , ماذا  لو كنت نبيّاً , عندها سأحظى باهتمام الله وستكون لي مكانة خاصة عنده .. لكنّ غريزتي و شهوتي تدفعاني إلى الخطأ , والنبيّ لا يجب أن يخطأ ... لذا اعتقد أنّه من الأفضل أن أبقى إنساناً .

  
    وبما أنّي اخترت أن أكون إنساناً , فلي الحقّ أن أختار الجنس الّذي أريد : أأكون ذكراً أم أنثى ؟؟ .. الاختيار صعب , فأن لم أعرف شيئاً عن كلا الجنسين حتّى خضتّ تجربةَ ستة عشر عاماً ونصف كوني ذكراً .. لكنّ كلمة " ذكر " كانت لتكون خياري على كلّ حال ...  فهي تبدو  مألوفةً لي , ووقعها على السّمع ألطف .

 
    أمّا شعري , فأريده طويلاً , ملوّناً بنور الله , معطّراً برائحة الجنّة . وعيناي كطائر اللّيل تلمعان في ظلمةٍ ما كنت لأوجدها قط , ففيها كلّ شيءٍ مخفيّ . فالسّارق يبدو أميناً , والقاتل يبدو طيّباً , والزاني يبدو طاهراً .. وحده اللّه ظاهر على حقيقته .  
 وأريد بشرتي بيضاء كما هي , أو ربّما أبيض بقليل , و طولي متوسّطاً إلى طويلٍ إلى حدٍّ ما . أمّا جسمي , فليكن أعرض بقليل وأقوى بنيةً , فقد سئمت الكلام والسخرية من نحافتي .
 

    واسمي , سأبقيه على ما هو عليه ,  ثلاثة أحرفٍ أفقية التكوين :  

 عاءٌ في أقصى الأقصى تتعبّد , وياءٌ في المسجد الأمويّ تتشهّد
 ولامٌ بين البلدين تتنهّد , و بكلمة الحقّ تتعهّد ...
كذلك وطني , وعَلَمي , وعائلتي , ولغتي وديني .   

    ولا أريد أن أصبح عجوزاً  !!

 أخاف أن أصبح شيخاً قد تخطّى الأحلام
 أقول لهم :" لن أترك حلمي معلّقاً تفترسه الوحوش ,
 والّليل .. " ولن أسمح له أن يشيخ ,
 حتّى لا يأخه الموت منّي ,
 أو يأخذني منه ...
 فحلمي كان زهريّاً  ملوّناً بالأطفال ,
 أراهم في كلّ مكان
 يرقضون و يرقصون ويقفزون ويلعبون طوال الوقت .


     وآخرتي ؟ّ! هل أفنى كباقي النّاس ؟؟ هل أموت فيأتي ذاك الرجل ذا الرّداء الأسود فيفصلني عن روحي ويأخذها بعيداً ؟ أم أموت فأُدفن وروحي في حفرة المجهول ؟!
ومن هو هذا الرّجل ذو الرّداء الأسود ؟ ولما يسمّونه "ملك الموت" رغم أنّه لا يموت ؟ يا ليتني كنت  أنا هو منذ البداية ...  

        ربّما يسمح لي اللّه أن أختار كيف ومتى أموت ... لا أريد أن أقتل !! ولا أن أمرض , و لا أن أبقى وحيداً فينهش اللّيل منّي و يرميني  في ظلمته ...

      
     يا ليته يأتيني عندما أكون مستعدّاً !! وقتها , سأقتله .. نعم سأقتل الموت , عندها لن يموت أحدٌ بعد الآن , وربّما ينحتون لي تمثالاً , أو يكتبون عنّي روايةً , أو حتّى يصنعون عنّي فيلماً بعنوان  : "الرجل الّذي قتل الموت " , أو " كيف قُتل الموت ؟ " ...


 
    و لو أنّ لي أن أغيّر في حياة الآخرين  :


أوّلاً , ما كنت سمحت بولادة " ألفرد نوبل " , فالموت كان من تدبيره .  ثانياً , لجعلت " المتنبي " موجوداً في جميع العصور , حتّى لا يموت الشعر الفصيح .
ثالثاً , لعيّنت " أدولف هيتلر " حاكماً على العالم  , فيخفّ  طمعه الديكتاتوري ويشبع حاجته .
وأخيراً , لأبقيت " باولو كويهلو " حيّاً ليكتب عنّي الرواية , و " ستانلي كوبريك " ليخرج فيلم " الرجل الذي قتل الموت "  , و" مورغان فريمان " ليمثّل دور الرّجل البطل  .


_____________

"بتصرف " من قصيدة محمود درويش - هذا البحر لي -  الجملة الأصليّة  :  " خمسة أحرفٍ أفقيّة التكوين "   





04‏/09‏/2012

جنّتي ليست لجميع شيعة عليّ ...



من قال أنّ يوماً ما لم يأتي بعد سأدخل الجنّة ؟!

" أنت من شيعة عليّ , إذاً مصيرك الجنّة .. " , كثيرون الّذين قالوا هذا .

تمرّ  الأفكار في عقلك ;  " أسرق " .. يهاجمونك فيقولون : " السرقة حرام " , فتردّ عليهم : " أنا فقير وبحاجة إلى المال , أريد أن أعيش " , وعندما يقولون ستدخل النّار , تفاجأهم جاهراً : " ألستُ من شيعة عليّ ؟ "


ويأتي أستاذٌ في المدرسة , وأنت لم تبلغ الحلم بعد , ليعرّفك على الحياة الجنسية والعادة السريّة ,  ولم تزل طفلاً بريئاً ... فتنسى برائتك وترميها بحجّة طلب العلم , وتسهر اللّيل حتّى ينام جميع أفراد عائلتك ,وتتعمّق أكثر في موضوع العادة السريّة .. وتفاجأ الجميع حينما تقول " لقد أصبحت رجلاً " .. وسلاحك قولٌ قد سمعته أيضاً في المدرسة , أو أنّ والدك قد قاله لك , أو خطأً وأنت تشاهد التلفاز و حوّلته حجّةً باطلة , لتقنع رفاقك بما فعلت , فتتقدّم قائلاً : " من طلب العلى سهر اللّيالي " , حقيقة أنّك لم تعرف يوماً ما هو العلى .. لكنّك اعتبرته " العلم " فالفارق حرفٌ واحدٌ فقط  , لكنّك لم تعلم أنّ ما فعلته ليس ب " علم " .


ويأتي يومٌ تشاهد فيه برنامجاً إنكليزيّاً وثائقيّاً على التلفاز , يتناول بعض الحالات الشاذّة في المجتمع , فيعرض صوراً لأشخاصٍ يشوّهون أيديهم , ولأنّك لم تفهم يوماً اللّغة الإنكليزيّة  فلا تعلم أنّ البرنامج يهاجم وينتقد ذاك النّوع من الأشخاص , فتحاول تقليدهم , وعندما تمرّر موس الحلاقة على يدك , يقشعرّ بدنك وتبدأ بالصراخ لأنّ الجرح الّذي أصبت به يدك كان عميقاً  , فتذهب إلى المشفى ... وعندما يسألك والدك عن الأمر تجيبه : " الحقّ عليك , فأنت لم تعلّمني الإنكليزيّة قط " .

وعندما تعود إلى المدرسة ويسألك زملائك عن الأمر , فلا تتردّدُ باختلاق قصّةٍ كنتَ أنتَ بطلها الّذي هاجمته عصابةٌ من خمسة أشخاص  فطرحهم جميعهم أرضاً , وهو بطريق العودة إلى البيت سقط فجرح يده ;  ألم يكن من الأسهل لك أنت تقول  فقط أنّك وقعت وجرحت يدك ؟!

وعندما يكتشف أساتذتك كلّ ما فعلته سابقاً , تبادرهم قائلاً : " لا بأس , فاللّه يغفر لكلّ شيعة عليّ " .


وبما أنّك كنت دوماً في مدرسةٍ للذكور فقط , فأنت لم تعرف يوماً كيف تفكّر الفتيات , ولم تحاول يوماً أن تكلّم إحداهن , وإن بادركتك فتاة بالكلام تقلب كحبّة طماطم شديدة الحمرة ... فتعاني نوعاً من الكبت .. وتبلغ ذروة نشوتك بمجرّد أن تقف قرب فتاة . وعندما تصعد باصاً ما , تجلس على مقعدٍ خالٍ , وتتمنّى أن تصعد فتاةٌ يوماً وتجلس بقربك لتلمسها خطأً ... وتبقى على هذه الحال إلى أن يعرّفكم مدرّس التربية الإسلاميّة في مدرستكم على ما يسمّى ب " عقد المتعة " وأحكامه وشروطه  , فتنسى جميع الأحكام والشّروط و تجدها طريقة جيّدةً لإفراغ كبتك و إشباع حاجتك الجنسيّة ... وتبقى منكبّاً على أخطائك هذه حتّى تجد فتاةً تتزوّجها . وفجأة , تتذكّر أنّه عندما كنت شاباً , صعدتّ يوماً  مع  سائق سيّارة أجرة , وحدّثك هذا الأخير طويلاً عن ما يجب أن يتحلّى به المرء من أخلاق و مراعاة لمشاعر النّاس , واختتم حديثه بقول : " إنّ الله يغفر كلّ شيء إلّا الشّرك به و إيذاء الآخرين " , عندها تقول : " أنا أؤمن بالله إذاً أنا لست بمشرك " , ثمّ تقنع نفسك بإنّك لم تؤذي أحداً طوال حياتك , فتقرّر التوبة .


وعندما تصبح أباً على أولادٍ أربعة , تربّيهم على معتقدات ٍ وأفكارٍ لم تقتنع بها أبداً , ومتى أخطأ أحدهم أو أتى بعمل سيّء , تنهال عليه ضرباً وتأنّبه بشدّة كأنّك لم تفعل يوماً ما هو أسوأ . فقد نسيت نفسك  , وتقول أمام أولادك أنّك كنت صبيّاً مهذّباً ومؤمناً, لأنّك تظنّ أنّك رميت ذاك الطفل و المراهق و الشّاب الّذي كنته خلفك .. ولكنّك تعرف جيّداً أنّه ما زال يلاحقك , وتعلم أنّه عندما يفعل أحد اولادك خطأً , فهو يذكّرك بما كنت عليه  ... كما انّك لم تنفكّ يوماً عن تذكيرهم بأنّك موالٍ لعليّ وبأنّ جميع شيعة عليّ سيدخلون الجنّة !!


أمّا الآن , و قد كبرت زوجتك , وأصبحت ذات جسدٍ متعبٍ قد أنهكه العمر , و نهدين هزيلين لم يعودا كما كانا , ليمونتين ناضجتين ترقصان كلّما تحرّكت , فلم تعد مغريةً  بالنسبة إليك و غير قادرة على إشباع حاجتك الجنسيّة المستمرّة . تلجأ إلى الزنا , لأنّ ما من امرأةٍ قد قبلت أن تتزوّج رجلاً متزوّجاً ولأنّك لم تستطع ان تطلّق زوجتك حرصاً على مشاعر أولادك وخوفاً من ردّة فعلهم ... وهنا تعود ذاك الطفل والمراهق والشّاب الّذي يجاوب أبداً : " لا بأس , فأنا من شيعة عليّ , وقد وُعدتُّ بالجنّة " ...


فاسمحوا لي الآن أن أقول شيئاً , أنا لن أرفس جنّتكم , فمن طبعي مراعاة مشاعر الآخرين واحترام آرائهم , ولكن سحقاً لجنّتكم الّتي تزعمونها مآباً لجميع شيعة عليّ فقط   , سأكوّن الفردوس الخاص بي , وسأمنع شيعة عليّ من دخوله , إلّأ من كان منهم مؤمناً بتعاليم الله و عاملاً بها , ولكنّي سأفتح باب جنّتي لكل شخص عمل بدينه , مهما كان دينه , وسأجعل فيها قانوناً يمنع فصل الذكور عن الإناث , وسأجعل فيها قانوناً يمنع التدريس عن الحياة الجنسيّة , فتلك كانت البداية ...

01‏/07‏/2012

وتبقى ذكراك


    عرفتك في صغري  . لا أذكر أنّي قد رأيتك ذات مرّةٍ و فقد كنت صغيراً غارقاً في حالة اللّا وعي , لكن هذا ما يقولون ...  لطالما ظننتك رجلاً طويلاً ,  سميناً ذا لحيةٍ شائبةٍ وعينين خضراوين ملأتا سواداً لما ذاقتاه من مرّ العيش وظلم القدر . نعم , هي تكاوين وجهك التي  كانت دوماً مرسومة في أبعاد مخيّلتي  , لكن يبقى هذا مجرّد كلام سطحي بعيداً عن التعريف برجلٍ مثلك .
   
    ومن صفاتك لم أعرف شيئاً , لكنّي متيقن من أنّك كنت رجلاً قديراً , رقيقاً كما أسمع ..  ذا أخلاقٍ حميدة ونفسٍ طيبة من كثر ما يتكلّمون عنك  . سمعت أخباراً كثيرةً عنك ولم أفهم منها غير أنّك رجلً كثير السفر مضطّر للعيش في بلاد الاغتراب للمحافظة على معتقداته ومبادئه – البقاء إلى جانب أولاده - 
كثيراً ما كنت أمنّي نفسي ان أراك لكن ما كل ما يتمنّى المرء يدركه !!
   
    منذ فترةٍ قصيرة , سمعت أنّك قدمت إلى لبنان , أردّت رؤيتك بشدة , لكن امتحاناتي حالت بيني وبينك حاجزاً لم أستطع تجاوزه .. بقيت منكبّاً على درسي وفي قلبي دائماً حسرة . وسافرت ثانيةً ولم أستطع رؤيتك  , فعرفت  أنّ صورتك الراسخة في خيالي ستبقى الشيء الوحيد الذي يربطني ويذكرني بك .
  
   وبالفعل كان احساسي صحيحاً ... ففي مساء السبت الواقع في 30/حزيران/2012 , عندما كنت جالساً مع أقاربي , غارقين في محاولةٍ أولى لكتابة مسرحية كوميديّة , أخذني أخي من يدي , وخرج بي خارج الغرفة وأخبرني أنّ سوءاً ما قد حصل في بيت خالي ( خال أبي ) , وعلى سماع الخبر ارتعشت جميع أطرافي , فقد اعتقدت أوّلاً أنّ خالي المقرّب إليّ قد أصابه مكروه  .. لكنّي سرعان ما تمالكت نفسي لكي لايشك أحد بشيء , وعدتّ إلى الغرفة .
   
    وبعد حوالي العشر دقائق , عاد أخي ليعلمني أنّ حالة وفاة قد أصابت أحداً من أخوالي , ولمّا علمت أنّه لم يكن خالي "علي" أو "محمد" .. عندها عرفت أنّ خالي "حارس"  قد فارق الحياة وأنّ حدسي كان صحيحاً .. ولكنّي للوهلة الأولى لم أتأثر بالموضوع , لم أعلم إن كان السبب عدم رؤيتي له من قبل أو هو مجرّد تعبٍ قد أفقدني الإحساس بالألم والحزن .ولكنّي خفت كثيراً على جدّتي وعمّتي حيال ما قد يصيبهما لمجرّد علمهما بالموضوع فقد كان تعلّقهما به شديداً , وبقيت على هذه الحال أفكّر وأتأمّل وأنا مستلقٍ في سريري , حتّى سيطر علي النعاس وأخني النوم في أحضانه .
    
    وفي صباح اليوم التالي , أي الأحد الواقع في 1/تمّوز/2012 , علم الجميع بخبر وفاته ما عدى جدّي وجدّتي وعمّتي , ولم يتبقى علينا سوى إخبارهم بالحقيقة المرّة . فجأةً , طرق الباب , إذ هي زوجة خالي "محمّد " قد جاءت ممهّدةً لإخبارهما بحالة الوفاة .. اقشعرّ بدن عمّتي في هذه اللحظة , فأخذها أبي جانباً حتّى لا يظهر عليها الانهيار أمام جدّتي الّتي تتأثر بشدّة  , ثمّ أخبرها بالأمر , ولمجرّد سماعها الخبر المحزن , وقفت صامتةً منصدمةً لا تستطيع الكلام , لكنّ أبي سرعان ما هدّأ من روعها عند تذكيرها بجدّتي .

     خرجت عمّتي إلى الشرفة بعد أن مسحت دموعها عن وجهها ووضعت قناع الوجه ذو البسمة المصطنعة , وجلست قرب جدّتي الّتي كانت قد بدأت تحسّ بأمرٍ مريب . أمّا أبي فقد قام بأخذ جدّي ليأخذ له حمّامًا ولينبأه بما حصل . وبعد عدّة دقائق , عندما خيّم الصمت على الأجواء في الشرفة , تسائلت جدّتي عن حال الجميع وأصرّت على عمّتي أن تخبرها بما يحدث , فقد أحسّت أن مكروهاً ما قد حصل , حاول أقربائي الكتم قدر الإمكان عن الموضوع , لكنّ إصرار جدّتي دفعهما للبوح بالحقيقة .
      
    في تلك اللحظة نظرت إلى وجه جدّتي , رأيته يقلب كوجه الطفل الصغير الّذي يريد والدته , ئمّ رأيت عينيها قد  بدأتا تحبسان الدمع على أطرافهما , وشفتيها تطبقان على بعضهما رويداً رويداً ... وما هي إلّا لحظاتً حتّى ملأ البيت صوت صراخ ونحيب  خارجٍ من القلب , قلب امرأةٍ , أو قلب طفلةٍ فقدت  أخاها , ثمّ أعود وأنظر إلى وجه أمّي وعينيها اللتين قد اغرورقتا بالدمع , ووجه  ابن عمّي المصفرّ من شدة الحزن محاولاً المحافظة على هيبته ورجوليّته حابساً الدمعة في داخله آبياً إخراجها .
     
    أنا عندها لم أتمالك نفسي , حاولت أن أحبس مشاعري , لكنّ أشجاني وأحاسيسي غلبتني , وراحت عيناي تذرفان الدمع كسيل من المياه  .. وأنا أحاول تخبئتهما بطرفي الأيمن و بوشاحٍ كنت قد وجدتّه بالقب منّي . بكيت بشدّة , نعم بكيت بشدّةٍ على حال جدّتي و بكيت بشدّةٍ على حال عمّتي وأقربائي , وبكبت كثيراً على عدم لقائي به ... 
      
    إنّني الآن أكتب هذا فقط لأجد شيئاً يربطني وبذكّرني به , وأنا ما زلت حتّى هذه اللحظة لا أعرف شيئاً عنه , غير أنّي كنت مخطئاً بموضوع  تخيّلي له , فهو لم يكن يوماً شخصاً سميناً بلعلى العكس تماماً , فقد  كان رجلاً نحيفاً للغاية ...


 مهداة إلى خالي الحارس - الّذي لم أعرفه يوماً - رحمه المولى 
 زمان الوفاة : الجمعة الواقع في 29/حزيران/2012 
  مكان الوفاة : داخل قطار في بلاد الاغتراب 
 طريقة الوفاة : دبحة قلبية نتيجةً للتوتّر الّذي عاشه بعيداً ومشتّتاً بين وطنه ( أهله ) من جهة والغربة ( أولاده ) من جهة أخرى                          

19‏/11‏/2011

رحلةٌ مع حبّنا ...

حبيبتي ,
أتذكرين هذا اليوم كما ما زلت أذكره ؟
كنّا جالسين في حديقة منزلك  ,
وكان حبّنا جالساً إلى جانبنا ,
نسيناه , وأخذنا نعدّ الحصى والزّهر !
فتسلّل من خلفنا
وصعد إلى سلّة الطعام الّذي حضّرتِه ,
وغفا ...
لم ننتبه له , وظللنا نعدّ الحصى ... والزّهر .
كانت الشّمس تتوسّط كبد السماء ,
كانت تراقبنا ..
والغيم الّذي عانقها ... كان يراقبنا
والطّير وآخر ورقةٍ صفراء تسقط ..
كانت تراقبنا ,
كلّ ما حولنا كان يراقبنا ,
لكنّنا لم نر شيئاً
إلّا الحصى والزّهر .
وغدرنا الزمن ,
وأوشكت الشمس أن تغيب ...
وما زلنا جالسين !
وعندما قرّرنا الرحيل , تذكّرنا حبّنا ,
نظرنا حولنا , فلم نجده ,
بحثنا طويلاً
قلبنا العشب وجرّدنا الشّجر حتّى من أغصانه بحثاً عنه ,
ولم نجده .. فكيف نحبّ و قد ضاع حبّنا ؟ّ!
خرجنا من حديقة المنزل , وقد حلّ الظلام
وما زلنا نبحث عن حبّنا , وهو ما زال في نائماً
في سلّة طعامنا الّتي ما فارقت يدك .
نمشي ولا نرى أمامنا غير أطراف الأغصان اللامعة
من شدّة الظلام ,
ومن شدّة الريح طرنا ,
وحملنا الرّيح إلى حافّة تشرين ,
أمامنا حفرة كبيرة ,
وفي نهايتها باب كانون مفتوحٌ أمامنا .
رميتِ سلّة الطعام إلى كانون
وقفزنا خلفها ,
فوصلت , ولم نصل .
ووقعنا بين تشرين وكانون
ومررنا أمام جميع ذكرياتنا ,
ولم نأخذ أيّاً منها معنا
وظللنا نقع ..
واستيقظ حبّنا , خرج من سلّة الطعام ,
دخل باب كانون ومضى .....  

30‏/09‏/2011


محمّد الدّرّة عاش ....... وبين رصاصة البندقيّة وصوتها انتهى كلّ شيء ...... محمّد الدرّة أشبع الأرض , سقاها دم الشهادة , ونمت على إثره الأشجار , نما الورد والزهر , ومعها تعالت الأصوات ....  وصار للعربيّ فمٌ يتكلّم , فمٌ يتكلّم لغةً مفتاحها الكرامة , ويفهم معانيها ..... إنّها لغة الحرّيّة !!
                                                                                       دمت شهيداً وفخراً لفلسطين ...... الشّهيد محمّد الدّرّة ..

24‏/09‏/2011

كانوا فقراء ...


كانوا فقراء , يعملون في الأرض من الفجر حتّى الغروب من أل الحصول على كسرة خبزٍ و لبن يقيتون به عائلاتهم , لم يروا في حياتهم إلّا الشّقاء لكنّهم كانوا سعداء , وكانت سعادتهم تكمن في أملهم . لم ييأسوا يوماً طالما لديهم كرامة , نعم كانوا فقراء , لكن فقراء أحرار ...
كانوا يعيشون في قرية  متواضعةٍ  على سفح جبل . وكانت في القرية امرأة عجوز ينادونها " أم عماد " ... كانت في العقد السابع من العمر , قصيرة القامة , ذات شعرٍ قصير قد غزاه الشّيب , وعينين سوداوين تزدادان اسوداداً لكثرة ما تراه من ظلم .
كانت تعيش داخل كوخٍ  صغيرٍ على على حدود القرية , مع زوجها البالغ من العمر الخامسة والثمانين . وكان "أبو عماد" – أي الزوج – عجوزاً ببنيةٍ  قويّةٍ , عريض المنكبين , مفتول العضلات , يعيش , كما جميع الرّجال , على إعالة عائلته من خلال العمل في الأرض .
كان , في كلّ يومٍ من الأيّام , يستيقظ عند الخامسة صباحاً , يلبس شرواله الأسود , يعتمر طربوشه , يخرج من الكوخ , يطرق الباب بقوّةٍ لتستيقظ على صوته  أم عماد  ثمّ يركض مسرعاً نحو الحقل وهو يقهقه ويضحك بصوت عالٍ .
عند الوصول  , يجلس تحت شجرة الزيتون , يضع طربوشه بجانبه , يتناول فطوره ويهمّ بالعمل ... وكانت زوجته كثيراً ما تأتي لتزوره أثناء عمله , فتجده نائماً تحت الشجرة نفسها , مخفياً وجهه بطربوشه , يملأ المكان شخيراً , وكما كانت تقول دائماً :
 " كان شخيره يملأ القرية كلّها ... وأذنيّ "

وعند السّابعة من كلّ يوم , ينهي عمله , وبعود إلى الكوخ , فيتناول الطّعام و يغفو , هكذا كانت حياته ..
بالمناسبة , أذكر أنّي قد ذكرت كلمة " الكرامة " في المقدّمة ... أنا لم أذكرها عبثاً , فللكرامة داخل هذه القرية قصّةً ليست كغيرها من القصص , سأرويها لكم :
ذات اليوم , خرج أبو عماد من منزله متّجهاً نحو الحقل , وكالعادة , فعل كما يفعله كلّ يوم , فنام وعمل وأكل .. أثناء قيلولته , سمع صوتاً غليظاً يردد متلهّفاً : " يا أبو عماد , قم بسرعة , إنّ في القرية أغراباً يريدون احتلالها " .. استيقظ العجوز على الصّوت ,  وقف منتصباً  , تمالك نفسه ثمّ حمل معوله وتوجّه نوح ساحة القرية حيث تجمّع الرجال , وبيد كلّ منهم ما تيسّر له من أدواتٍ ليقاتل بها , وأمامهم اسطفّ الأغراب وفي أيديهم بندقيّاتهم .
وفي مكانٍ آخ من القرية , كانت العجوز الشّيخة تجابه مرضها الّذي طرأ عليها فجأةً  دون تعي ...
إذاً , وصل أبو عماد إلى ساحة القرية , تقدّم جميع الرجال ووقف مقابل الأعداء , نظر في وجوههم متمعّناً, ثمّ أشار بيده إلى رجال القرية , فتأهبوا جميعاً وفي إشارة أخرى , هجموا وبدأت المعركة . لا أذكر ما حصل وقتها , لكنّني أذكر أنّ صوت الرصاص تعالى في الجوّ , و أن جثث جميع رجال القرية كانت ممدّدةً على الأرض وبينها سيولٌ من الدّم الأحمر القاتم , تتجمّع كلّها في مكان واحد , عند جثّة أبو عماد .
صارت السّاعة الثامنة والنّصف , والعجوز لم يعد بعد إلى الكوخ ... قلقت أم عماد عليه وهمّت بالذّهاب لتفقّده . وصلت إلى الحقل , لم تجد أحداً . رأت طربوشه يحتلّ مركزه المعتاد تحت شجرة الزّيتون , لكن لم تر زوجها ...  أهلك المرض جسدها فتداعت على الأرض , زحفت نحو شجرة الزيتون , بينما روحها تتصاعد , حملت الطربوش بين يديها , وألقت جسدها على جزع الشجرة , رأت خطوطاً من النور بلونٍ بين العسجد والحمرة تنبثق من بين أوراقها , شدّت يديها على الطربوش , ألقت بناظريها نحو الشّرق ثمّ أغمضت عينيها وغفت .
وانفصلت الروح عن جسدها وتطايرت فوق ساحة القرية , تنظر في وجوها الشهداء النّضرة , الطّاهرة , وضحكة أبو عماد ما زالت تتعالى في الأجواء , يلازمها صوت يردّد أبداً :
" كانوا فقراء , فقراء أحرار .....  وماتوا بكرامة ! "